الذاكرة التشرينية: حراك ينضج في وجه السلطة

تحدي مضمون الاحتجاجات في تشرين الأول 2019 النموذج السياسي الذي فرضته الولايات المتحدة مطلع القرن الحالي، وأفضى هذا التحدي إلى بداية نضج في الوعي والحراك المجتمعي، والاعتبار من الأحداث وتداعياتها، وكشف الستار عن آليات الهيمنة التي عمدت الأقطاب السياسية المراهنة عليها للوصول إلى الحكم، ذلك بالمجمل، قطع بشكل أو بآخر جذور دولة ما بعد 2003.

المضمون، هو ما تميزت به تشرين، برؤية المواطنة وهاجس الدولة والمؤسسات، لا التوزيعات والضمانات الطائفية والمكوناتية. غير أن ذلك الوعي كان سابق لأوانه، جاء في وقت لم تكن المنطقة مستعدة للتفاعل معه كما اراد، ولم يجد مناخًا يمكّنه من نسج التطلعات مع التحولات، لصياغة نموذج عراقي جديد.

بعد نحو 6 سنوات على تشرين، عاد المضمون والرؤية، مما وضع النظام السياسي أمام حقيقة واحدة؛ الدولة أو اللا دولة، خيار العراق أم خيار الخارج. ولنا أن نسأل، هل أصبح خطاب تشرين الآن خطابًا وطنيًا، وحينها كان يمثّل خطاب «أبناء السفارات» والمتآمرين على البلد؟

حين تتسابق القوى السياسية، والفصائل المسلحة، نحو رفع شعار المواطنة، والهوية الجامعة، وجعل المصلحة العليا في صدارة الأولويات، هذا يعني أن «الرؤية التشرينية» أصبحت حاجة وجودية لاستمرار الدولة من جهة، وهو أيضًا يضمن استمرارية نفوذ القوى من جهة أخرى كي لا تسحق بأيدي الخارج أو الداخل.

غير أن مخاوف النظام السياسي من عودة تشرين، بصيغة الاحتجاج ونصب الخيام هي قراءة سطحية اعتادت السلطة في العراق أن تنظر إلى الرفض الشعبي في سياق المظاهرة العابرة، و بفهم قاصر لما حمله ذلك الفعل الاحتجاجي. إن أخطر ما تغفل عنه السلطة في العراق، هو الوعي الذي يتبلور، والذاكرة التي تنشأ من معطيات الحاضر، فهناك القسوة والرفض، والامتعاض، والضجر، وهو في لحظة ما، وفي شكل ما، سيكون أشد قسوة من ذاكرتنا لما قبل الاحتلال الأمريكي.

ما يمكن قوله؛ إن «نريد وطن» عادت من جديد، أي عاد الوعي ومضمون التحركات والتطلعات المجتمعية، وليس بالضرورة أن تعود بالشكل التقليدي، ولربما يحمل العام الجديد سيناريوهات عدة، أبرزها أن ينهي النظام السياسي نفسه، ويموت سريريًا، إلى جانب الاحتمالات الأخرى، ويبقى سؤلًا مفتوحًا.. ماذا أعددنا؟

إبراهيم فاضل

مؤسس منصة تغيير

Scroll to Top