تُخرج أزمات المنطقة -باستمرار- ليس حدة خطابية وانقسامية داخل العراق فحسب، بل نكرانًا للذات العراقية، وتطرفًا لم نعهده حتى في الحرب الأهلية عام 2006.
إذ أنكر العراقيون علم بلادهم، ودولتهم، وتاريخهم، وإرثهم الحضاري، وقيمهم، وكل ما يتعلّق بعراقيتهم. هذا الإنكار، لم يكن بدوافع قومية لوحدة عربية، ولا دينية لإسلامية ينشدونها، فهذه -الدوافع- مفهومة. إلا أن نفي الذات بلغ حد التصالح مع المحاور الإقليمية والدولية على حساب مستقبلهم، وعراقيتهم، وعربيتهم، وإسلاميتهم.
فهل هذا ما قصده الأب المؤسس بقوله: «لايوجد في العراق شعب عراقي بعد»؟ وإذا كان هذا الأب أراد لابنه «أن نشكّل شعبًا نهذبه، وندربه، ونعلمه..» لماذا لم يتهذب، ويتدرب، ويتعلم هذا الابن طوال 105 أعوام؟
هذه جريمة العقوق، ومن حيث لا يُدركون؛ يُعاقب عليها العراقيون بقسوة. فلا ماء صالح للشرب أقصى جنوب الوطن عند التقاء الرافدين. وتحترق أجساد الأطفال في مخيمات النزوح التي يُتاجر بها ساسة «المكون السني». ولا كهرباء، فالطاقة يجب أن تأتي من إيران حتى يتبارك «المكون الشيعي» ببركات الرضا. — ومن التخلف ما لا يُعد ويحصى (باستثناء الجسور).
وها هو الابن العاق، لم يكتفِ بجريمته، بل يتهم البارّين؛ من تمسّكوا بالبيت رغم حرائق «المكوناتية»، وساروا على نهج الأب وتشبّثوا بالعراقية رغم عار السلطة.