المسؤولية المشتركة في الأزمة المائية العراقية

كان العراق على مر العصور يتمتع بوفرة مائية كبيرة، لا سيما في مياهه العذبة، إذ أن السدود التي بُنِيَت كانت تهدف إلى الحد من مخاطر فيضانات نهري دجلة والفرات وروافدهما نظرًا لشدة جريان الماء فيهما، إلا أنه ومنذ سبعينيات القرن العشرين بدأ العراق يعاني من مشكلة شح المياه بشكل تدريجي إلى أن باتت تشكل تهديدًا على أمنه الغذائي والحيوي والمجتمعي؛ لأسباب عدة منها ما يعود لعوامل طبيعية كالزيادة السكانية والتغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة. حيث يعد العراق خامس دولة على مستوى العالم في التأثر السلبي من التغير المناخي. ويعود الآخر منها لعوامل بشرية تتعلق بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة من مختلف المستويات المجتمعية والحكومية والإقليمية، وسنتناول في هذا المقال مسؤولية العوامل البشرية في التأثير في أزمة المياه في العراق.

المسؤولية المجتمعية:

على الرغم من أن تأثير سلوكيات المجتمع في استهلاك المياه ليست السبب المباشر في بروز مشكلة شح المياه كخطر يهدد الأمن الحيوي؛ إلا أن هذه السلوكيات ليست وليدة اليوم بل هي جزء من نمط حياة المجتمع منذ القدم، ولها الدور الكبير اليوم في تغيير معادلة المياه سلبًا أو إيجابًا، ومن هذه السلوكيات:

1- اعتماد طرق بدائية في ري المزروعات، ما يزيد من استهلاك المياه بشكل كبير؛ يذهب 80% من استهلاك المياه للقطاع الزراعي.

2- افتقار البيئة الاجتماعية لثقافة ترشيد استهلاك المياه؛ أكد تقرير الأمم المتحدة عام 2011 أن نسبة هدر المياه في العراق تصل إلى 50%.

3- تفريغ مياه الصرف الصحي دون معالجة إلى مياه نهري دجلة والفرات، ما يؤثر على نوعية المياه وعدم صلاحيتها للاستخدام البشري، وتعد المستشفيات من أهم مصادر تلوث المياه، فمن أصل 126 مستشفى في العراق يضم 25 مستشفى فقط وحدات معالجة للمياه.

إن توعية المجتمع بأثر السلوكيات الفردية والجماعية في الحد من مشكلة شح المياه يعد الخطوة الأولى في وضع الحلول للمشكلة.

المسؤولية الإقليمية:

تعد السياسات المائية للدول التي ينبع منها الأنهار والروافد أشد السلوكيات تأثيرًا في أزمة المياه وبشكل مباشر، لاسيما إيران وتركيا، وتعد السلوكيات التي تنتهجها كل من الدولتين بمثابة تهديد وإعلان حرب على العراق.

1- السياسات المائية الإيرانية

نصت خطة التنمية الوطنية الخامسة لإيران للأعوام 2010 – 2015 على ضرورة منع تدفق المياه عبر إيران إلى البلدان المجاورة، وعلى إعادة تحويل تلك المياه إلى إيران. فمن أصل 45 رافد كانت تتقاسمه إيران مع العراق لم ينجو سوى 3 روافد من عمليات بناء السدود وتحويل المياه والإغلاق. وتتذرع الحكومة الإيرانية في سلوكياتها المجحفة في حق العراق بعدم وجود اتفاق واضح وشامل بينها وبين العراق على إدارة الأنهار المشتركة بينهما، على الرغم من عملها مع أفغانستان على توقيع اتفاقيات للمياه في “هلمند”، إلا أن هذا لم يحصل مع الجانب العراقي.

2- السياسات المائية التركية

بدأت تركيا في سبعينيات القرن العشرين بالسيطرة على مياه نهري دجلة والفرات من خلال مشروع الغاب الذي يتضمن بناء 22 سدًا منها 7 على نهر الفرات و 5 على نهر دجلة بالإضافة إلى بناء 19 محطة توليد كهرباء، ويعد سد “اليسو” أكثرها خطورة على العراق كونه الأقرب إلى الحدود العراقية.

يقلل السد واردات نهر دجلة بنسبة 60%. تعد تركيا الماء بأنه ثروتها الوحيدة، وترى أن دجلة والفرات هما حوض واحد وأنهما أنهار داخلية عابرة للحدود، وترفض الاعتراف بأنهما نهران دوليان.

وتعتبر تركيا النهر الدولي هو النهر الذي يرسم حدودًا بين دولتين متشاطئتين، وهذا يخالف مفهوم المجاري المائية الدولية المتعارف عليه دوليًا، إذ عرّف النهر الدولي في مؤتمر فينا عام 1815 بأنه “النهر الصالح للملاحة الذي يفصل أو يخترق في جريانه دول عدة”، كما أيضًا في معاهدة باريس 1814 وفي مؤتمر برشلونة 1921. برغم ذلك ترفض تركيا تقسيم المياه مع العراق، وتقدم حلولًا بديلة وهي الاستخدام الأمثل للمياه، وإعادة تقييم التقنيات المائية والزراعية، متهمة الجانب العراقي باتباع طرق بدائية في استخدام المياه في الزراعة والري ومشاريعه التنموية.

المسؤولية الحكومية

يقع الجزء الأكبر من المسؤولية في أزمة المياه على عاتق الحكومة العراقية، بصفتها الجهة المخولة للتعامل مع التجاوزات الداخلية والخارجية في أزمة المياه، ويمكن الإشارة إلى أهم جوانب التقصير الحكومي من خلال النقاط الآتية:

1- اعتماد العراق في تأمين موارده المائية على نهري دجلة والفرات فقط.

2- عدم تطبيق استراتيجيات واضحة لتقليص استهلاك المياه.

3- عدم ابرام اتفاقيات ملزمة مع دول الجوار لتقسيم المياه بشكل عادل.

يجب النظر إلى أزمة المياه في العراق على أنها أزمة عالمية وليست محلية فقط، كونها تهدد بجفاف الأهوار التي تصنف ضمن التراث العالمي، كما أن العراق من أكثر دول العالم تأثرًا بأزمة التغير المناخي، وإذا أردنا أن نقدم حلولًا حقيقية للمشكلة فيمكننا أن نبدأ من أزمة المياه في العراق.

Scroll to Top