الحلبة السياسية للطائفتين: ضريبة سبايكر وضمان الهوية – شُبّر عبدالوهاب​

صراحتي مؤلمة جدًا عزيزي المواطن العراقي.. وعند قراءتك هذا الاسطر أرجو منك أن تتخلى عن هواجسك المذهبية والقومية والعشائرية أي ما كانت فقط أقرأ بهاجسك العراقي، وضع مسافة تفكير حر بيني وبينك.

في ذكراها العاشرة مجددًا سبايكر جريمة العصر.. وزعيم العصر ومختاره يطالب بانتخابات ديمقراطية في ذكراها؟

هذا البلد ملعون يا سادة نعم هذا ما اعتقده في هذا البلد، الموازين تختلف كليًا عما هو عقلاني ومنطقي لماذا يتحتم دائمًا بالقاتل والمجرم بأن يتصدر المانشيتات الحمراء في حياتنا ويتربع على صدورنا بدوال الشرف والبطولة والزعامة لماذا لا زلنا نلهث وراء المجرمين ونزمر لهم هل أعتدنا التقديس! أو لأننا مجبولين بالفطرة على النسيان والتبرير، فالقاتل بيننا حي يمشي في شوارعنا التي امتلأت بنساء الفتية الذين نستذكرهم في كل عام ونتناسى أكلوا لحوم البشر بل أننا ننشغل بالمهاترات الاعتيادية التي تقام في كل حدث عراقي بحت لما يعرف الآن بالكلاسيكو بين السنة والشيعة نعم ديربي عظيم مشحون بالنفس الطائفي والغل المزروع في أعماق وطنتينا المزعومة.

مجزرة سبايكر أو كما يحب أن يعرفها الكثير بمجزرة تكريت ما ينحر حزني وعراقيتي فعلًا هو أن هذه الدماء التي قُدّمت كعربون لجس نبض العراق المستقر والأمن بفضل حكومة مختار العصر والمتصدق علينا بأموالنا مخلصنا من الديكتاتور ومنقذنا من ولائم الاحتلال الأمريكي في الجدران المحصنة، إن هذه الدماء تم تسعيرها وتصنيفها وتبويبها وتحويلها لسلع تُباع وتُشترى لأهداف سياسية الغاية الأولى منها هي اشغالنا فيما بيننا لنرمي كل جهة منا بسيل من التهم الباردة والجارفة، في نفس الوقت التي تسحبنا لمكان وزمان ليس بعيد على ذاكرتنا (الحرب الاهلية العراقية 2006) حرب دارت رحاها لتحرق الأخضر واليابس ولتخزن ما تبقى منها من أنفاس تحت أيدي الساسة الذين يعاودون أنعاشها في أي وقت يرونه مناسب لأشغالنا عنهم، لأبعادنا عن الحقيقة ولتسطيح الحدث وعدم التعلم منها
(إن الشعوب التي لا تتعلم من ماضيها ولا تحاول تصحيح الحاضر لتتوقع وترسم مستقبلها وفقًا لمنظورها شعوب حكم عليها بإعادة تجارب الماضي الفاشلة) إدامة الكراهية واستثمارها هذا كل ما موجود فعلًا بكل حدث عراقي مؤلم.

وما يحدث ببساطة أن العراقي الشيعي (البعض) يرى أن أهالي تكريت هم الذين تسببوا في موت أبناءهم بالوشاية والخذلان وعدم المساهمة في إنقاذ الأرواح التي هبّت لمساعدتهم والعراقي السني (البعض) يرى بوقتها أنهم روافض وقتلهم واجب شرعي بل أننا أبعدنا أبصارنا عنهم وأن ليس لأحد فضل على تحريرنا سوانا. هذا الديباجة تُعاد سنويًا في كل ذكرى، ليس شرطًا مثل القول بل وجوبًا بالإحساس. يا سادة المواقف لا تتحمل مزيدًا من الكراهية ولا جزء آخر من دمائنا ولا تسعير لأرواحنا مجددًا أليس من المهم فعلًا هو أن نتعلم من هذه الأحداث وكيف نفهمها وألا نقع بها مجددًا، هل تعتقدون أن سبايكر لن تُعاد مرة أخرى؟ بل أنها جاهزة تحت أيدي ساستنا كل ما هو مطلوب إعادة تذكيركم بمذهبكم وقوميتكم ليُعاد مسلسل الدم العراقي صاحب الأجزاء الطويلة.

ما نحتاجه هو إعادة التفكير طويلًا بهويتنا العراقية المسحوقة فلا يُمكن الاعتماد والوثوق بمن يضع اعتبارات ومنطلقات فوق الوطن العراقي، فما يحرّك مشاعرك في مثل هذه الأحداث من توجهات مذهبية أو عشائرية أو قومية ليس مثال يحتذى به لتجنب الوقوع في الأخطاء مجددًا، وأقول هنا لا يمكن الاستثناء من طرفي الحركات الاسلامية السنية المتطرفة أو من الجماعات الشيعية المسلحة، يجب تغليب الطابع الوطني والروح التي نتشارك فيها بأرض واحدة لا جدران نضعها أمام الآخرين، وتجريد عراقتيهم بسهولة بكل حدث. هذه السلوكيات قد أنهكت الدولة على مر السنين، ووضعت تصنيف وتوصيف للفرد العراقي من منحدر مذهبي أو قومي أو عشائري، وهذه المنطلقات عادةً ما يغلبها عليها الفكر الجماعي الواحد من دون اللجوء للمنطق السليم والتحليل القويم الذين يستنبط من هو المخطئ في هذا المعادلة الصعبة، ليس لشيء بل لمحاسبة من كان مسؤول من شيخ العشيرة ورجل الدين وصولًا لساسة السلطة في ذلك الوقت حتى يومنا هذا.

لنذكر عراقيتنا يا سادة، وإن مثل هذه الأحداث لا تستوجب عبارات التهكم ولا مفاهيم الاقصاء ولا مشاعر الكراهية بيننا، هذه هي ديباجات النظام المتطرف الذي يريد تجهيزنا لحدث عراقي أخر مثل سبايكر ولا يوجد لدينا ضامن لعدم تكراره غير عراقيتنا.

Scroll to Top