الرموز تصنع المعنى والإرادة – نبراس علي

في لوحة “عازف العود” يظهر رجل بزي مُهرّج ينظر الى الاعلى ويبتسم بشكل طبيعي وكأنه يلعب مع مغني أو موسيقي آخر غير مرئي.

تم نسخ هذه اللوحة لتوضح أحد الرموز التي لا تستطيع إنكار وجود تأثيرها في العراق بعد عام 2019. تُظهر لنا صفاء السراي بزي عازف العود وكأنه ينظر الى المشاهد بنظرة شبهها الكثير بنظرات جيفارا الثائر، وكأنه يعزف بأوتار عوده لينتج لنا لحنًا عراقيًا مليء بالحياة، لكن شاءت تلك القنبلة المسيلة للدموع أن تفجر رأسه ليكون لحن العود حزينًا ويصبح بها صفاء السراي رمزًا خالدًا يمثل سلسلة احتجاجات تشرين الخالدة.

وجه اللوحة بعد التعديل فتحت أمام عيني بعض الاسئلة اولها كان: لماذا الرموز مهمة في الاحتجاجات والثورات وفي حياتنا بشكل عام؟ دفعتني الاجابة لطرح سؤال مضاد: هل يمكننا تلخيص مقالات أو مواضيع أو حضارات عمرها الاف السنين دون مساعدة الرموز والشعارات والصور والاختصارات؟

إجابة متيقّنة: لا

لماذا؟ تنقل الرموز محادثات كاملة بقيمة التعريف والسياق ضمن مساحة أكثر إيجازًا (إما من خلال الاستعارة أو بصريًا، كما هو الحال مع الصورة اعلاه). بمعنى أوسع، تسمح الرمزية بعمل مجتمع منظم يضغط على الكميات الهائلة من البيانات التي تحيط بنا إلى قطع صغيرة الحجم.

نحتاج الرموز لأن كل التعبير في العالم موبوء بأوجه القصور الثلاثة التالية: عدم كفاية الحروف، عدم دقة الكلمات، غموض مدمج.

ويمكن أن يساوي الرمز الطبيعي العظيم ملايين الحروف والكلمات والجمل، ويمكن للصورة أن تشرح ألف كلمة.

لكل ثورة او حراك في كل دول العالم على مر العصور تبرز شخصية لتكون رمز للحرية، العدالة، النضال، او التمرد… لأسباب عديدة قد تكون لقدرات قيادية وتنظيمية او لروايات تحكي قصة التجارب المؤثرة لهذه الشخصية… بهذا يمكن أن يُلهم هذا الشخص الالاف اذ لم يكن الملايين لتبنّي الفكرة.

وعلى غرار الأصناف التشرينية (الوطنيين والمخربين والدمى التابعة بالطاعة العمياء) هل ستحدث ثورة تغيير في العراق؟

اجابتي ستكون ليس الآن. شعب مقسّم ومُنهك وثرواته مستنزفة، ورموز الثورة تم حبسهم وخطفهم وتعذيبهم وقتلهم، من ناشطين وخبراء سياسيين واقتصاديين وغيرهم، والإعلام الذي تمت السيطرة عليه بشكل كامل من قبل الطرف الآخر، بالإضافة الى طبيعة الشعب العراقي التي لا تمكّنه من بناء هوية وطنية جامعة.

لكن رغم كل هذا نرى ونسمع تلك الاصوات الغاضبة الى الآن في المواصلات والمقاهي ومواقع التواصل، هل ستحدث تلك الاصوات المتذبذبة تغييرًا؟ سأترك لكم هنا حرية الاجابة على هذا السؤال.

لكن لدي رغبة بطرح شيء يمكن أن يُلهمك بالإجابة. طبقات المتعلمين والمثقفين والكتاب والسياسيين والصحفيين وحتى الأساتذة الداعمين والذين من الممكن أن يكونوا رموزًا للأفكار هم “أقلية” مقارنة ببقية الشعب العراقي الذين يحتاجون توعية مُكثّفة بحقوقهم وما لهم وما عليهم (مبدأ المواطنة)، والذين تشكّل نسبة منهم من ساكني العشوائيات والمتذمرين من ارتفاع سعر الدولار وغلاء الغذاء وسائقي “التك تك” وكذلك المتحرشين والمتعدين على النساء.. والقائمة تطول.

 

تذّكر هؤلاء الذين ينتظرون الفرصة لكي ينشروا الفوضى والدمار حتى ضد أبناء شعبهم، من أجل تأكيد ولائهم لجهة معينة، أعداء أنفسهم قبل اعداء ارضهم، هم الأغلبية!

في الختام وددت أن اقول كانت الأفكار في رأسي موجودة وليست معدومة لكن الهمتني تلك النسخة من لوحة عازف العود التي حولت الخيوط الملونة الى نسيج من الافكار المتسلسلة والاسئلة التي ربما تختلف اجابتها من شخص لآخر، من الرموز الى التقسيم واقع مرير.

Scroll to Top