25 آذار 2025

النفط شيعي ودجلة والفرات سنة.. لا حدود للطائفية في عراق 2003

في خضم النقاشات الطائفية ودعوات بناء المشاريع الهوياتية، لم تقف التقسيمات السياسية على طريقة الحكم، أو تعريف نظام الحكم الذي ولا زال منذ عقدين، يدور في فلك الأضداد. بل تعدى ذلك وبشكل سافر إلى توصيف الموارد الطبيعية في الوطن، بمعانٍ تتعلق في هذا الطرف أو ذاك. حيث صرح رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، بأن خيار الأقلمة يجعل «الشيعة» أكبر الخاسرين، مع إمكانية التأثير على تدفق مياه دجلة والفرات في حال استأثر الجنوب بالنفط. جاء هذا التصريح كرد فعل على دعوة رئيس كتلة حقوق حسين مؤنس، لدمج تسع محافظات في الوسط والجنوب والتفكير في خيار الاستقلال كأحد البدائل التفاوضية أمام القوى «السنية والكردية». وأيضًا بعد تصريحات مماثلة من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، حول احتمال احتكار «الشيعة» للثروة النفطية مستقبلًا، ما أثار جدلًا واسعًا وردود فعل متباينة داخل المشهد السياسي.

وبناء على ذلك، إلى أي مدى تعكس دعوات الفدرلة والانفصال في العراق، ضعف المشروع الوطني مقارنة بالمشاريع الطائفية والنزعات المحلية الضيقة؟ وكيف ساهم الانحدار السياسي وسوء الإدارة في تحويل الموارد الطبيعية من ثروة وطنية إلى أداة مساومة طائفية؟ وهل يمكن اعتبار الدعوات إلى تقسيم الثروات بين «المكونات الطائفية» محاولة لتعويض فشل النخب السياسية في إعادة بناء الدولة منذ 2003؟

الهروب من الدولة

لا يعكس المشهد الفشل الجماعي في إعادة بناء الدولة بعد أنقاض نظام صدام حسين فحسب، وإنما يؤكد بشكل واضح؛ محاولات للهروب من السلطة المركزية التي تمثّل بدورها إطارًا جامعًا، إلى تشكيل معادلة سياسية – اجتماعية، تضمن تمكين ذات النخب، بالتزامن مع استشعار انتهاء حقبة سياسية استحوذت على الدولة وفق رؤى طائفية. وهو ما أكده مؤسس «منصة تغيير» إبراهيم فاضل بقوله إن “الهروب من الكل إلى الجزء، هو الورقة الرابحة والوحيدة، في سبيل البقاء على قيد السلطة، بعد أن انتهت صلاحية دولة 2003 التي لم تحقق تحديثًا سياسيًا، أو تحولًا ديمقراطيًا بعد إسقاط النظام السابق”.

الهروب من الكل إلى الجزء، هو الورقة الرابحة والوحيدة، في سبيل البقاء على قيد السلطة، بعد أن انتهت صلاحية دولة 2003 التي لم تحقق تحديثًا سياسيًا، أو تحولًا ديمقراطيًا بعد إسقاط النظام السابق.
إبراهيم فاضل
مؤسس منصة تغيير

مرة أخرى.. مشاريع لا وطنية

رغم التجارب القاسية التي عصفت في العراق، إلا أنه من الضروري الاعتراف بأن هذه الدعوات تعزز النزعات المحلية والطائفية على حساب الهوية الوطنية. فبدلًا من السعي لبناء دولة قائمة على المواطنة، ذهب كل طرف الى التركيز على ضمان حصته من الموارد الطبيعية، ويتضح ذلك في استخدامها كأوراق ضغط سياسية بدلاً من اعتبارهما ثروة مشتركة.

يقول الكاتب والباحث السياسي شُبّر عبد الوهاب في حديث خاص لـ «منصة تغيير» إنه “ليس من الغريب سماع مثل هذا الدعوات من الفواعل السياسيين قبيل كل انتخابات، فهذه هي ديباجات النظام التي اعتدناها، والذي يريد تجهيزنا لحدث عراقي أخر يكون المغذي الأهم فيه هو الشحن الطائفي ومحاولة تقسيم ما تبقى من أرض قاحلة جرداء طائفيًا وعرقيًا”.

ويؤكد «عبد الوهاب» أن “دعوات الفدرلة والانفصال التي تظهر على السطح السياسي بين فترة وأخرى، تعكس إلى حد كبير ضعف المشروع الوطني في مواجهة المشاريع الطائفية” داعيًا إلى “التفكير طويلًا بهويتنا العراقية المسحوقة فلا يُمكن الاعتماد والوثوق بمن يضع اعتبارات ومنطلقات فوق الوطن العراقي، هذه السلوكيات قد أنهكت الدولة على مر السنين، ووضعت تصنيف وتوصيف للفرد العراقي من منحدر مذهبي أو قومي أو عشائري”.

دعوات الفدرلة والانفصال التي تظهر على السطح السياسي بين فترة وأخرى، تعكس إلى حد كبير ضعف المشروع الوطني في مواجهة المشاريع الطائفية، ويجب أن نفكر طويلًا بهويتنا العراقية المسحوقة فلا يُمكن الاعتماد والوثوق بمن يضع اعتبارات ومنطلقات فوق الوطن العراقي، هذه السلوكيات قد أنهكت الدولة على مر السنين، ووضعت تصنيف وتوصيف للفرد العراقي من منحدر مذهبي أو قومي أو عشائري.
شُبّر عبد الوهاب
كاتب وباحث سياسي

بدوره قال الصحفي علي عبد الزهرة لـ «منصة تغيير» إن “هذه الطروحات لن تؤدي إلى انهيار مفهوم التوزيع العادل للثروة، لأنه في الأساس لا يوجد في العراق توزيع عادل للثروة، بل هناك فوضى في إدارة هذه الثروات، وتقاسم محاصصاتي سيّئ”. محذرًا من خطورتها، باعتبارها “محاولة لإعادتنا إلى ما قبل عام 2006، وإلى استقطابات طائفية قد تؤدي إلى توليد حالة من الانفجار، فهذا الحديث يمثل خطرًا كبيرًا على بنية المجتمع العراقي، خاصة بعد تحرير الموصل والمعارك التي خاضها العراقيون، والدماء التي قُدّمت من كل الأطياف، والتي وحدّت المواقف بين أبناء البلد الواحد. ولكن، عاد السياسيون مرة أخرى لمحاولة بث الفرقة المجتمعية، من أجل مصالح سياسية لا أكثر”.

نحذر من محاولة إعادتنا إلى ما قبل عام 2006، وإلى استقطابات طائفية قد تؤدي إلى توليد حالة من الانفجار، فهذا الحديث يمثل خطرًا كبيرًا على بنية المجتمع العراقي، خاصة بعد تحرير الموصل والمعارك التي خاضها العراقيون، والدماء التي قُدّمت من كل الأطياف، والتي وحدّت المواقف بين أبناء البلد الواحد. ولكن، عاد السياسيون مرة أخرى لمحاولة بث الفرقة المجتمعية، من أجل مصالح سياسية لا أكثر.
علي عبد الزهرة
صحفي

افتعال الخلافات

أوضح رئيس مركز المنصة للتنمية المستدامة هاشم الحسيني لـ «منصة تغيير» أن القادة السياسيين “دائمًا ما يركزون على نقاط الخلاف، ويبحثون عن كل ما من شأنه تعميق الخلاف وزيادة الفجوة وخاصة في الفترات التي تسبق الانتخابات، هذا السلوك ينسحب على المجتمع وينتج عنه شرخ اجتماعي”. ويشير «الحسيني» إلى أنه “على الرغم من نص الدستور العراقي صراحة على أن العراق بلد فيدرالي اتحادي ويضمن حرية إقامة الأقاليم ويعزز اللامركزية، إلا أن هذا الأمر متوقف ويتم التلويح به كورقة ضغط بين الحين والآخر لتهديد شركاء النظام السياسي. إن الثروات الطبيعية ومنها النفط والغاز نص الدستور العراقي عليها صراحة في المادة 111 على أنها ملك لجميع العراقيين. إن التصريحات التي تنطلق بين الحين والآخر يراد منها خلق حالة من الخوف لدى المجتمعات لتأليبها وحشدها باتجاه معين”.

المياه هي موارد عابرة للحدود ولا يمكن استخدامها كورقة ضغط وفقًا للاتفاقيات الدولية التي تنظم شؤون المياه عابرة الحدود وتمنع الجور في استخدامها. إن التصريحات التي تنطلق بين الحين والآخر يراد منها خلق حالة من الخوف لدى المجتمعات لتأليبها وحشدها بإتجاه معين وهي تفتقر للجوانب المنطقية والفنية وتخلو من منطق الدولة الذي ينبغي للنخب السياسية أن تتبناه.
هاشم الحسيني
رئيس مركز المنصة للتنمية المستدامة

الأقاليم صيغة إدارية وليست مشاريع طائفية

قال أستاذ العلاقات الدولية والسفير العراقي السابق غازي فيصل لـ «منصة تغيير» إن “عمق التخلف والجهل الثقافي السياسي سواء بالدستور أو بالعمل السياسي وبالعلاقات بين الأقاليم أو المناطق المختلفة في العراق يقود البلد إلى كارثة كبيرة، ولا يمكن الحديث عن إقليم شيعي في الأساس، فهي -الأقاليم- ليست طائفية أو عرقية أو عنصرية، بل هي صيغة إدارية مدنية ليس لها علاقة بالطوائف الموجودة ضمن الإقليم ولا بالأعراف ولا بالأديان ولا غيرها”. ويؤكد «حسين» أن الاقاليم تأخذ مجالًا جغرافيًا إداريًا لتسهيل إدارة المؤسسات المحلية المختلفة ولتحقيق المشاركة، لكن “التصريحات في بعض الأحيان تبدو نوعًا من الانتقام والمواجهة بين المذاهب، ما يشكل انتهاكًا خطيرًا لدستور 2005 وللديمقراطية”.

عمق التخلف والجهل الثقافي السياسي سواء بالدستور أو بالعمل السياسي وبالعلاقات بين الأقاليم أو المناطق المختلفة في العراق يقود البلد إلى كارثة كبيرة، ولا يمكن الحديث عن إقليم شيعي في الأساس، فهي -الأقاليم- ليست طائفية أو عرقية أو عنصرية، بل هي صيغة إدارية مدنية ليس لها علاقة بالطوائف الموجودة ضمن الإقليم ولا بالأعراف ولا بالأديان ولا غيرها.
غازي فيصل
أستاذ العلاقات الدولية والسفير العراقي السابق

سباق انتخابي مبكر

ترى الباحثة السياسية نوال حسين في حديثها لـ «منصة تغيير» أن “المرحلة الحالية هي مرحلة الاستعداد للانتخابات، ونحن اعتدنا غالبًا في الفترة التي تسبق الانتخابات تتصاعد فيها التصريحات حسب الجو العام أو حسب الأجواء الإقليمية العامة. وبالتالي، فإن الجو العام للمنطقة اليوم يشهد العديد من الانقسامات، وهناك أيضًا مخاوف من أن تعاني بعض الدول، وخصوصًا سوريا، من التقسيم إن لم تتحد الآراء وتتوجه البوصلة نحو الإبقاء على سوريا موحدة”.

المرحلة الحالية هي مرحلة الاستعداد للانتخابات، ونحن اعتدنا غالبًا في الفترة التي تسبق الانتخابات تتصاعد فيها التصريحات حسب الجو العام أو حسب الأجواء الإقليمية العامة. وبالتالي، فإن الجو العام للمنطقة اليوم يشهد العديد من الانقسامات، وهناك أيضًا مخاوف من أن تعاني بعض الدول، وخصوصًا سوريا، من التقسيم إن لم تتحد الآراء وتتوجه البوصلة نحو الإبقاء على سوريا موحدة.
نوال الموسوي
باحثة سياسية

وهو ما أكده رئيس مركز رواق بغداد للسياسات العامة عباس العنبوري في حديث خاص لـ «منصة تغيير»، أن “هذه التصريحات تأتي في سياق السباق الانتخابي المبكر، ولا تعدو كونها جزء من هذه الدعاية التي تعتمد الابعاد الطائفية لاستقطاب الجماهير باتجاه الكتل”.

هذه التصريحات تأتي في سياق السباق الانتخابي المبكر، ولا تعدو كونها جزء من هذه الدعاية التي تعتمد الابعاد الطائفية لاستقطاب الجماهير باتجاه الكتل.
عباس العنبوري
رئيس مركز رواق بغداد للسياسات العامة

لبناء وطن ومواطن

تسعى منصة تغيير الى تعزيز دور المواطن العراقي في المشاركة البناءة في رفع المبادئ الوطنية والمصالح العليا والقيم والإرث والهوية الوطنية الجامعة بالوسائل المدنية.

Scroll to Top