15 آذار 2025

تحليل موجز: هل أصبح العراق بؤرة لتصدير الطائفية إلى المنطقة؟

يشير مصطلح «تصدير الطائفية» إلى الانقسامات أو الصراعات القائمة على الاختلافات المذهبية العابرة للحدود الوطنية، وفي سياق المنطقة، تكون هذه الصراعات بين السنة والشيعة. وهنا يتعلق الأمر بما إذا كان العراق يساهم بنشاط في نشر هذه الانقسامات إلى دول المنطقة الأخرى. فهل يلعب العراق هذا الدور، أم أنه مجرد ساحة للصراعات الطائفية التي تتغذى من عوامل داخلية وخارجية؟

لمحة من الماضي

ليست بالجديد حين نقول إن العراق بلد غني بتنوعه، لكنه في ذات الوقت، شهد توترات طائفية، إلا إن هذه التوترات كانت محكومة بأنظمة حكم سلطوية أو ديكتاتورية سيطرت على البلاد بقبضة حديدية. لكن هذا المشهد تغيير بعد العام 2003 الذي قلب المعادلة السياسية، وأدى إلى تفكيك النظام السياسي القائم واستبداله بآخر خلق فراغًا استغلته القوى الطائفية، وإن كان الهدف هو تحقيق التوازن عبر شراكة سياسية، إلا أنه -مبدأ المحاصصة- عزز الانقسامات بدلاً من توحيد البلاد.

تفاقم الطائفية: بحسب تقارير منظمات دولية مثل مجموعة الأزمات الدولية «International Crisis Group» أدت الحرب الأهلية بين 2006 و2008، التي شهدت صراعات دامية بين الشيعة والسنة، إلى تعميق الهوة الطائفية. إضافة إلى ظهور تنظيمات إرهابية تتحرك بشكل عابر للحدود مثل «القاعدة في العراق» التي تطورت لاحقًا إلى داعش، إضافة إلى فصائل مسلحة مدعومة إيرانيًا أضافت بُعدًا جديدًا من العنف الطائفي.

التداعيات: على الرغم من هزيمة داعش في 2017، لا تزال التوترات الطائفية قائمة. وفقًا لتقرير صادر عن معهد السلام الأمريكي «USIP» في 2022، فإن ضعف المؤسسات الحكومية والفساد المستشري يعيقان أي تقدم حقيقي نحو الوحدة الوطنية، ما يجعل العراق عرضة للاستقطاب الطائفي.

تقييم دور العراق في نشر الطائفية

مواجهة داعش: العراق بمؤسساته الأمنية قاد معركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، الذي تبنى أجندة طائفية متطرفة. هذه المعركة، التي دعمتها قوات التحالف الدولي بمشاركة الحشد الشعبي (الذي تنضوي تحته فصائل مدعومة من إيران)، كانت دفاعية بطبيعتها. بحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «CSIS» في 2019، فإن العراق لم يكن مصدرًا لهذا التطرف الطائفي، بل كان ساحة لمواجهته.

العلاقة مع إيران: العراق يتمتع بعلاقات وثيقة مع إيران، التي تُتهم بدعم فصائل مسلحة في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. ومع ذلك، يشير تحليل لمعهد بروكينغز «Brookings Institution» في 2021 إلى أن هذا الدعم ينبع مباشرة من طهران، وليس من بغداد. العراق، في هذا السياق، يُعتبر أداة للنفوذ الإيراني وليس مبادرًا نشطًا لتصدير الطائفية.

العلاقات مع دول الخليج: منذ سنوات حكم حزب البعث في العراق -تحديدًا صدام حسين- كانت العلاقات بين العراق ودول الخليج متوترة بسبب الحروب (حرب الخليج 1991 على سبيل المثال) لكن في السنوات الأخيرة، شهدت هذه العلاقات تحسنًا ملحوظًا. مع استثمارات سعودية في العراق ومؤتمرات إقليمية مثل قمة بغداد للتعاون والشراكة في 2021، هذه الخطوات تشير إلى رغبة مشتركة في تهدئة التوترات الطائفية بدلاً من تصعيدها.

غياب دليل على التصدير النشط: لا توجد تقارير موثوقة من مصادر مثل الأمم المتحدة، أو مراكز أبحاث دولية تشير إلى أن العراق يقوم بتدريب أو تمويل جماعات طائفية خارج حدوده بطريقة منهجية، إلا أن مواقف الجهات الفاعلة غير الحكومية تتبنى سياسة وحدة الساحات، والتي بدورها توحي بأن العراق داعم للجماعات المسلحة خارج حدوده.

إيران: العلاقة مع طهران هي الأكثر تعقيدًا، عبر دعمها فصائل مسلحة داخل العراق، وبحسب تقرير لمجلة «فورين أفيرز Foreign Affairs» في 2022، فإن هذا الدعم يجعل العراق ساحة للصراع بين إيران ودول المنطقة، وليس مصدرًا مستقلًا للطائفية.

تركيا: لها مصالح في شمال العراق ومحاربة تنظيم «PKK» المحظور في العراق، لكن علاقاتها مع الحكومة العراقية تظل دبلوماسية بشكل عام، مع تركيز على التجارة والأمن بدلاً من الطائفية.

سوريا: الحرب بين النظام السابق وفصائل المعارضة في سوريا أثرت على العراق، نتيجة لانعدام الأمن، عبر مقاتلو داعش الإرهابي الحدود في كلا الاتجاهين. لكن، بحسب تقرير لمعهد واشنطن «Washington Institute» في 2020، كان العراق متأثرًا بهذا الصراع أكثر من كونه محركًا له. وبعد إسقاط نظام الأسد، تفاعل العراق مع الحدث بشكل حذر، مع خطاب طائفي غير رسمي.

العراق لا يظهر كدولة تسعى لتصدير أجندة طائفية خارجية، لكنه يعاني من تداعيات الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية، وفي ذات الوقت:

1- العراق ضحية للطائفية الناتجة عن المحاصصة السياسية والتدخلات الخارجية، خاصة من إيران.

2- الفصائل المسلحة، والخلايا الإعلامية الطائفية، والاندفاع العاطفي للمجتمع بسبب الشخصيات والماكنة الطائفية ساهمت في توجيه الرأي العام للتفاعل مع أحداث المنطقة طائفيًا، ما يشكل نوعًا من ضغط يحتمل أن يؤثر على الدول المستهدفة، ويثير التوتر الداخلي في البلاد.

رغم أن بعض الأحزاب السياسية لا تزال تبني نفوذها على أسس طائفية، فإن المجتمع بات أكثر وعيًا، رافضًا لهذا النهج. التطورات الإقليمية، كالأحداث في سوريا، تُستغل سياسيًا لترويج الخطاب الطائفي والقومي، خاصة مع اقتراب الانتخابات.
مشرق الفريجي
الأمين العام لحركة نازل اخذ حقي الديمقراطية
الأمين العام لحركة نازل اخذ حقي الديمقراطية مشرق الفريجي
المستفيد الأكبر من هذا النهج هي القوى السياسية الساعية للهيمنة داخليًا، والدول الإقليمية كإيران وتركيا، بينما عالميًا تستفيد إسرائيل والولايات المتحدة، حيث يمنحها تصاعد التطرف مبررًا لبقائها في المنطقة. حتى المجازر الطائفية، مثل تلك التي شهدتها منطقة الساحل، تُستخدم كأداة لتعزيز هذه الانقسامات. التحركات الإسرائيلية، مثل دعم بعض الطوائف في سوريا، تؤكد أن إذكاء الطائفية يخدم مصالحها، مما يستوجب وعيًا إعلاميًا لرفض هذه الخطابات. أي خطاب طائفي اليوم، سواء من مدون أو سياسي، هو أداة لصالح الكيان الصهيوني، مما يهدد الأمن القومي العراقي ويفتح المجال لسيطرة القوى المتنفذة داخليًا وخارجيًا.
سيف رعد طالب
خبير أمني وإستراتيجي
الولايات المتحدة الأمريكية تريد أجبار السياسيين الشيعة على القبول بسيناريوهات ربما تكون صعبة جدًا. إيران تحاول الحفاظ على مكتسبات 1979، وتركيا لديها حلم العودة إلى الامبراطورية العثمانية.
أثير الشرع
كاتب وباحث بالشأن السياسي والأمني المحلي والاقليمي
الكاتب والباحث بالشأن السياسي والأمني المحلي والاقليمي أثير الشارع
من صعب جدا اتهام الشعب العراقي بتصدير الطائفية، لكن القضية أصبحت مسيسة. الدين لله والوطن للجميع.
حامد الصراف
أستاذ العلوم السياسية

لبناء وطن ومواطن

تسعى منصة تغيير الى تعزيز دور المواطن العراقي في المشاركة البناءة في رفع المبادئ الوطنية والمصالح العليا والقيم والإرث والهوية الوطنية الجامعة بالوسائل المدنية.

Scroll to Top