قطع الإنترنت تعسف في استعمال السلطة

في العام 2025 وفي ضل حكومة تُصدّر نفسها بأنها تواكب مقتضيات العصر، وتبنّت ضمن برنامجها الحكومي أتمتة المؤسسات وحثّ المواطنين على التعامل الرقمي، وقد التمسنا ذلك في الواقع، إلا أن وزارة التربية تأبى الانخراط في هذا المشروع وما زالت تصرّ على قطع الإنترنت، العمود الفقري للحياة الحديثة وللحكومات التي تريد اللحاق بالحكومات الالكترونية، ولا أجافي الواقع بالقول إن الإنترنت بات من أهم عصبات الحياة إن لم يكُ أهما، كيف لا، وقد أرتبط في مجالات الحياة كافة اقتصاديًا وإجتماعيًا وسياسيًا وحتى أمنيًا، فلماذا تصر وزارة التربية على قطع الإنترنت عن العراقيين لمدةِ ساعتين كاملتين في كل يوم امتحان؟!

حتمًا إن الوزارة عندما تقطع الإنترنت تتعسف في استعمال السلطة، الذي يقترب من التعسف في استعمال الحق، إلا أن الأول يقع في مجال الإدارة أي يصدر من جهة إدارية (حكومية) كما تفعل وزارة التربية التي تقطع الإنترنت بذريعة منع تسريب الأسئلة، بينما تتجاهل البدائل التكنولوجية المتاحة، وتغضّ الطرف عن الخسائر الهائلة التي تلحق بالمواطنين، وبالتالي يصير قرارها عرضه للطعن وستوجب عنه التعويض، بينما الأخير أي “التعسف في استعمال الحق” يقع في المجال المدني، حيث عده القانون المدني موجب للضمان، ينهض قواعد المسؤولية التقصيرية التي توجب التعويض للطرف المضرور، بحسب أحكامِ المادة السابعة منه والتي جاء فيها:

1 – من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان.

2- ويصبح استعمال الحق غير جائز في الاحوال الاتية:

ب – اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال الى تحقيقها قليلة الاهمية بحيث لا تتناسب مطلقا مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها…”، الشيء الذي لابد من الوقوف عليه لتوضيح الفقرة باء في جملة “قليلة الأهمية” تحديدًا، هي لا تعني أنها ليست ذات أهمية بمفهوم الأطلاق، بل أنها قليلة الأهمية بالنسبةِ إلى الضرر الحاصل.

بعبارة أخرى “الضرر الحاصل يفوق الحق المستعمل” وفي الواقعة مدار المقالة سواءٌ كان تعسف في استعمال السلطة أم الحق، صحيح أن غاية وزارة التربية الموقرة تحقيق الصالح العام، وكيف لا وهي تصنع قادة هذهِ الأمة النائمة، وعلمائها الناجحون لا الباحثون! من خلال قطع الأنترنت بالتعاون مع وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام والاتصالات، كتدبير احترازي لقطع الطريق على الذين يسرّبون الأسئلة قبل موعد الامتحان، “أشكر وزارة التربية والجهات ذات العلاقة على حرصها الشديد ودأبها المتواصل وعطائها الوافر لأثراء هذه الأمة النائمة بقادة وعلماء ناجحين لا باحثين، وعلى سعيها الحثيث في مكافحة الغش والغشاشين”، لكن للأسف الضرر الذي يلحق بالمواطنين يفوق حق الوزارة في قطع خدمة الأنترنت “إن كان لها حق من الأساس” والقاعدة القانونية تقول “درء المفاسد أولى من جنب المنافع” كما أن الضرر المحقق أجدر بالحماية من الضرر المتحمل وتسريب الأسئلة ضرر محتمل قد يقع أو لا يقع بينما قطع الإنترنت ضرر محقق يستحيل معه الاحتمال.

وما للوزارة الكريمة ووزيرها الفذ ومستشاريه الأكارم إلّا أن يعلموا أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين في العام 2025 تحديدًا، حيث الذكاء الاصطناعي والأجهزة الذكية وطوابع الفائقة السرعة والتصارع العالمي على التقدم التكنلوجي وسرعة التسلح بهِ، بكل بساطة تستطيع الوزارة الاستعانة بالذكاء الاصطناعي الذي يتولى وضع الأسئلة وعرضها على الطلبة الممتحنين خلال بضع ثوانٍ قبل مباشرة الامتحان، كما يحصل في الامتحان الوطني للكفاءات، والتطور الذي نشهده يمنحها بدائل عظيمة تغني عن طريقة قطع الأنترنت البائسة.

لابد من الجهات المعنية التي تشترك في صنع قرار قطع الأنترنت، أن تدرك الضرر الذي يتعرض له العراقيين، خصوصًا شركات الدفع الإلكتروني التي تعتمد عليه 100% في عملها والخسائر التي تلحق بها جراءه، فضلًا عن الكسب الفائت، بالإضافة إلى إهدار أجور الاشتراكات التي يدفعها المواطن للحصول على هذه الخدمة، والشيء الذي لا يمكن إغفاله، أنها تتعدى على حقوق مصونة بموجب العقد الإجتماعي (الدستور) الذي جاء في المادة 40 منه “حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة، ولا يجوز مراقبتها او التنصت عليها، او الكشف عنها، الا لضرورة قانونية وامنية، وبقرار قضائي” والمادة 41 والتي جاء فيها “لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلّا بقانون أو بناء عليه، على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية”.

حرية الاتصالات مكفولة دستوريًا وإذا رأت وزارة التربية أن قطعها يحقق مصلحة عامة جديرة بالحماية عليها أن ترجع إلى القضاء لأخذ الموافقة أو إلى البرلمان من خلال إرسال مشروع قانون يمنحها هذا الحق حتى لا تعد متعسفة في استعمال الحق وبالتالي يتوجب عليها تعويض كافة المتضررين، والمواطنون كافة متضررين، ويجب على الوزارة أن تعوضهم كلٍ بحسب حجم الضرر.

أخيرًا، على وزارة التربية والجهات المعنية أن تُدرك أن مكافحة الغش لا تكون بوسائل بدائية تضحي بحقوق ملايين المواطنين، بل بالابتكار التكنولوجي والانفتاح على العالم الرقمي. وإلا فإنها تُمارس تعسفًا يوجب التعويض، وتفتح بابًا واسعًا للطعن الدستوري والإداري في قراراتها.

Scroll to Top