نبراس علي | قراءة معمّقة حول عضو الكونغرس الأمريكي الذي أشعل الرأي العام العراقي:

كيف أرعب «جو ويلسون» ساسة العراق؟

يقف العراق على حافة صراعٍ محتدم، كأنما أقداره معلّقة بين أصداء الانفجارات وقرابين البارود التي تهيم في أفق المنطقة، فهناك من يعزز التوقعات التي تشير إلى هجمة قد تضع العراق في دائرة الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث جاء على لسان عضو الكونغرس الأمريكي «جو ويلسون» في تدوينة له: «لقد حان الوقت لسياسة أمريكية جديدة بشأن العراق، ولا يمكننا استبدال داعش بإيران، ويجب أن يشمل الضغط الأقصى الميليشيات المدعومة من إيران في العراق».

حراك «جو ويلسون» ضد إيران وأذرعها

عضو الكونغرس «جو ويلسون»، عبّر مؤخرًا عن مواقف حادة تجاه إيران والمناطق التي تخضع لنفوذها، ودعا «ترامب» إلى اتخاذ إجراءات جدية لـ «تحرير العراق من التأثير الإيراني»، مؤكدًا ضرورة إعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه العراق. كما شن هجومًا على رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، مؤكدًا أنه «الداعم الأول للتوسع الإيراني في العراق». مع انتقاده بشدة لـ «منظمة بدر»، معتبرها منظمة «إرهابية متطرفة» تشبه داعش في طائفيتها، ويشير إلى أنها مسؤولة عن هجمات ضد القوات الأمريكية.

المتغيرات في المنطقة عامة تنذر بوجود تحولات سياسية واقتصادية، والعراق ليس بمعزل عنها، فالمواقف المعلنة يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار، بغض النظر عن مطلقها.
نوال الموسوي
باحثة سياسية

وفي حراك آخر، أرسل «ويلسون» مع النائب الأمريكي «كيفن هيرن» رسالة إلى ترامب، تضمنت قائمة بأسماء عدد من السياسيين العراقيين المتواطئين مع إيران. وفي حديث خاص لـ «منصة تغيير» أكدت الباحثة السياسية نوال الموسوي أن “ويلسون لديه أجندة عمل ضمن إطار البرلمان، كونه ضمن الغالبية الجمهورية التي باتت تسيطر على القرار، وكذا الحال في مجلس الشيوخ” وبحسب «الموسوي» فإن محاولاته “قد تصل لتحشيد رأي سياسي داعم للكيان، ويترتب عليه قرارات مؤثرة سياسيًا على العراق”.

التحول في العلاقات العراقية – الأمريكية

رجّح محللون سياسيون أن العلاقة بين بغداد واشنطن ستأخذ مجرى آخر بعد فوز «دونالد ترامب» برئاسة البيت الأبيض للمرة الثانية، عبر نهاية «ربيع العلاقات» بين الدولتين، فـ «ترامب» لن يقبل بالمنطقة الرمادية، لاسيما بعد بعد التحولات التي شهدتها المنطقة وتراجع النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا.

بالمقابل هناك أيضًا من ينظر إلى تصريحات النائب الجمهوري تدخل في إطار لعبة سياسية أمريكية موجهة لخدمة مصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وليس لمصالح الشعب العراقي.
جيهان الخفاجي
باحثة سياسية

قلق النظام السياسي في العراق

بعد فوز «ترامب»، زاد القلق في العراق من عودة سياساته السابقة تجاه المنطقة، ففي كانون الثاني 2021، أصدر القضاء العراقي مذكرة اعتقال بحقه بتهمة القتل العمد لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، والقائد الإيراني قاسم سليماني، ما أثار جدلًا داخليًا حول كيفية التعامل مع المذكرة في حال إعادة انتخابه. وعلى الرغم من الأخبار الزائفة التي تداولت «تجميد» المذكرة من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فإن الحكومة العراقية لم تعلق رسميًا على الموضوع. إضافة إلى ذلك، يبقى القلق قائمًا من أن سياسات «ترامب» في ولايته الثانية قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، وتحديدًا في المجالين الأمني والاقتصادي. فهل ستكون العلاقة مع إيران محورًا رئيسيًا في سياسات ترامب الجديدة؟ وهل يثير المخاوف من إدامة الانقسام الداخلي في العراق بين مؤيد ومعارض أو «مقاوم»؟ يقول المراقب السياسي غسان مازن لـ «منصة تغيير» إن “ترامب وإدارته يتبنون موقفًا حازمًا تجاه إيران، وأبرز متبنياتهم لاتخاذ هذا الموقف هو تطبيق الحصار الاقتصادي الصارم على طهران، والعراق يمثل الطوق الأول لهذا الحصار”.

إلا إن الحراك الدبلوماسي المكثف والخطاب الناعم الذي تبنته الحكومة العراقية، وتحييد دور الفصائل أو إبعادها عن المشهد، يؤشران على تعاطي أقرب إلى الموقف الأميركي، أو أميَل للحياد.
غسان مازن
مراقب سياسي

كيف تفاعل العراقيون مع «جو وليسون»؟

تباينت الآراء في العراق حول تصريحات «وليسون»، إضافة إلى أنها أثارت جدلًا واسعًا يعكس عمق الانقاسم المجتمعي في ظل الأجواء المتوترة من 7 أكتوبر 2023، حيث يعتقد بعض المتفاعلين معه على أنه يعمل على «إثارة» الرأي العام لا غير، إضافة إلى التشكيك في النوايا التي تقع خلف حراكه المتصاعد والهجومي.

بينما يرى فيه آخرون نافذة أمل خرجت في وقت حرج، وأنه يعبّر عمّا في داخلهم، نتيجة إلى التوتر السياسي والخوف من التعبير المعادي للجهات الخارجة عن القانون في العراق. فيما أكدت الباحثة بالشأن السياسي جيهان الخفاجي لـ «منصة تغيير» أن حراك “ويلسون يعبّر عن رغبة في مواجهة النفوذ الإيراني الذي يرفض وجوده غالبية الشعب العراقي، خاصة وأن هناك شعورًا عامًا لدى البعض بأن تدخل إيران في العراق أضعف سيادة الدولة وأثّر على استقرارها السياسي والاقتصادي”.

وتبقى جميع الاحتمالات مطروحة في الساحة العراقية، التي واجهت صراعًا جوهريًا داخل النظام السياسي، بين قوى اللا دولة، والدولة، بين قرار الحكومة وقرار القوى السياسية المتنفذة في الكواليس، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة الهشاشة التي عصفت في عمق السياسة العراقية، وتصدّع أركانها، ما جعلها عاجزة عن مواجهة التحديات، محاولة بشتى الوسائل «اقناع» الفصائل المسلحة بالتخلي عن سلاحها.

لبناء وطن ومواطن

تسعى منصة تغيير الى تعزيز دور المواطن العراقي في المشاركة البناءة في رفع المبادئ الوطنية والمصالح العليا والقيم والإرث والهوية الوطنية الجامعة بالوسائل المدنية.

Scroll to Top