15 تشرين الثاني 2025
تحديث المحاصصة: هل يوجد طائفي كفوء؟
يجري في «عراق الديمقراطية السادسة»، كما يصفها «المتحمّسون»، والمنبهرون بنجاح التجربة العراقية؛ التطبيع مع المحاصصة، ونقلها من خانة العرف -إن بقيت كذلك- القابل للنقد، والتغيير، إلى وسيلة راسخة في نظام الحكم. وفي واقع الحال، إلى صيغة إدارة الحكم. بالتالي، لا مناص منها إلا بإسقاط النظام أو تغييره. وبهذا يعقّد النظام السياسي، مسألة الحكم على نفسه، ويبدد الخيارات الإصلاحية.
وتُساق في ذلك البراهين الساذجة، أو الخطابات الانهزامية، باعتبار المحاصصة، باتت قدرًا تاريخيًا لا فكاك منه. ومن تلك البراهين، وخطاب التطبيع معها، هو اختراقها -أي المحاصصة- بتقديم «الطائفي الكفوء»، بدلًا من غير الكفوء. وهذا ما يُمّهد لإغلاق الباب أمام أي مشروع إصلاحي، عبر تقديم «خدمات» مجانية للنظام نفسه وتثبيت شرعيته. لكن، هل هناك «طائفي كفوء»؟
بالتأكيد ليس هناك، فهي -الكفاءة- لا تُثمر داخل بنية صُمّمت لتعطيل الدولة وتجزئة القرار. وإلى جانب نقض مفهوم المواطنة والدولة الحديثة، إلا أن تساؤل آخر يبرز في هذا السياق؛ ما معنى «كفاءة وزير محاصصاتي» إذا كان مشروط الولاء، لا مشروط الأداء؟ بعبارة أخرى، هل الكفاءة مجرد مهارة تقنية، أم هي فاعلية في خدمة غاية؟ حين تكون الغاية نفسها طائفية، فالنتيجة كفاءة في تأمين النفوذ المنبثق عن تقاسم السلطة، لا كفاءة في بناء الدولة.
فهذا، والحال القائم الآن، هو جعل الفشل السياسي، يضاف إليه المشاريع الانقسامية، وسياسات الهوية؛ قابلة للإدارة. فالمحاصصة آلية تستمد شرعيتها من تعريف النظام لنفسه، أي أننا نظام يدير «مكونات». فهل هذا هو سقف «الإصلاح» الممكن؟ أي بدلًا من معالجة جذور الخلل؛ يتم التفاعل معه!
تجد هذه الفكرة رواجًا بين فترة وأخرى، ولعل ما يبرر الالتفات إلى كل فكرة سياسية شاردة وواردة؛ هو غياب الروح النضالية في العمل السياسي. غض الطرف عن القيم الأخلاقية والمعيارية الدافعة لتبنّي التوجهات، والمقارعة لأجلها؛ هو ما يجعل من الانحطاط والابتذال السياسي بضاعة رائجة.
هذه، على ما اعتقد، مشكلة السواد الأعظم من الشباب اليوم، عبر تبدل الآراء تبدلًا غير مبدئي، والتأرجح ليس في المنطقة الرمادية، بل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. والقبول بالفكرة، وما ينقضها في الوقت نفسه. فالقبول بالدولة، يجب أن يكون قبولًا غير منقوص، والاتجاه نحو مراجعة نقدية للتجربة.

إبراهيم فاضل
مؤسس منصة تغيير وباحث مهتم في قضايا الدولة والمواطنة والتعدد المكوناتي
