2 تشرين الأول 2025
احتفال بالفراغ الوطني.. «وطن مصطنع و دولة مكونات»
فكرت مرارًا بشأن الكتابة عن اليوم الوطني العراقي، بوصفه حدثًا تاريخيًا يجدد ارتباطنا ببعضنا البعض، ويثير مشاعر الاعتزاز، والرغبة الصادقة في التقدم. لكن، وجدت نفسي مشغولًا بأسئلة مُربكة، ماذا أكتب عن هذه المناسبة «غير الوطنية»؟ التي نحاول وصفها بـ «الوطنية» أسوة بغيرنا، وعنادًا في واقع يندفع خلاله الجميع نحو ثقافة ما قبل الدولة.
وهنا أعني، أن البُنى الاجتماعية التقليدية قبل تشكّل الدولة الحديثة؛ قائمة في العراق، وتمايزت، وجرى تأكيدها سياسيًا وسياديًا بعد 2003 باسم «المكونات». فأي مناسبة وطنية نتحدث عنها، عندما نفتقر للبُنية الوطنية (المواطنة)؟
وماهي الذكريات التي نتشاركها نحن العراقيين؟ يبدو أننا لم نتجاوز حقب القرن العشرين، ذلك أن ملفاته لا زالت عالقة، وتشحن الانقسام، وتدفع باتجاه الصراع حول قراءة الماضي ورموزه. حتى أننا لم نحظ بـ «أب مؤسس»، على غرار الدول التي تحتفي بالمؤسسين. فالملك فيصل الأول نال نصيبًا من التخوين والعمالة. إذا كانت اللحظة الوطنية الأولى غير متفق عليها، فإن الذاكرة ستبقى في مساحة الخلاف، واستقطاع ما يبرر الانكفاء على الجماعة منها.
منذ ذلك الحين، ترافقنا سردية «وطن مصطنع»، جمع شتاته «الإنگليز»، وهو ما يشدد عليه التيار الانفصالي الكردي، وحواضن «السلطان» و «الولي» في العراق، بمشاريع، كشفت نواياها المحاصصة، والرغبة في السلطة والمنفعة لا أكثر. وإنني بقراءة تاريخ العراق، وما أشار إليه البلدانيين، لا أجد وطنا مصطنعًا، إلا في «دولة المكونات» التي جاءت بها «أحزاب لندن» المعارضة لصدام حسين.
تلك «المكونات» أصطنعها القادمون من «مزابل السيدة وقم..» كما يصفها الشاعر الراحل موفق محمد. وهذا النموذج، يُراد له أن يكون وطنيًا، فأي مناسبة وطنية نتحدث عنها، عندما نشكّل جماعات هوياتية تتنافى متبنياتها مع مفهوم الدولة الوطنية؟
ثم وجدت نفسي مشككًا في فكرة «المشتركات»، وأن الأخيرة هي عماد التواصل بين المواطنين، ذلك أن التواصل فيما بينهم، ينطلق من تاريخ مشترك. أيُ تاريخ «وطني ومشترك» يجمعنا مع من رهن -ويرهن- قرار البلاد ومصلحتها الإستراتيجية بيد أنقرة وطهران وواشنطن؟ أؤلئك الذين صنعوا مسارات سياسية لا تبدأ في بغداد ولا تنتهي عندها. فضلًا عن حملة السلاح لأجل «المذهب». الحقيقة أن المشتركات، في هذا السياق؛ كذب وافتراء.
انتهى بي المطاف، باحثًا عن جوهر الإشكالية، ومتسائلًا عن عدم جدوى مبادرات «الإصلاح»، والانتخابات، والاحتجاجات، ومؤتمرات القوى المدنية، وفعاليات أحزاب السلطة المغمورة بالمال السياسي.
ما أقوله؛ إن الخلل يكمن في بُنية النظام السياسي، القائم على التعددية، تعددية «مكوناتية» صنّفت كضمان لـ «شراكة سياسية» وخلاصًا من الشمولية. غير أنها وهم كبير، يستديم الشروخ المجتمعية، بل ويمأسسها، وينتج جماهير بهوية متخيّلة، تدّعي أحقية الحكم، أو تطلب «حقوقًا» لا نهاية لها.
وفي هذا الحال، الحديث نهضة الوطنية، يغدو ضربًا من ضروب الخيال. كما الحديث عن اليوم الوطني. فهل هناك، سبب واحد، يدعوني للكتابة عن يوم وطني عراقي؟

إبراهيم فاضل
مؤسس منصة تغيير وباحث مهتم في قضايا الدولة والمواطنة
