27 أب 2025
من داخل اللعبة: «الساحة السنية» ذراعًا أيمن للنظام «المكوناتي»
عسيرًا كان المخاض الذي واجهته «الساحة السنية»، حتى انتقلت من المغالبة في إثبات الأغلبية الاجتماعية عند جيل عدنان الدليمي وآخرين، إلى التطبيع مع مبدأ «الأخ الأكبر» في سلطنة الحلبوسي، والسامرائي، وقليلًا عند الخنجر.
المغالبة تلك مع «الطرف الآخر» -والأخير هو مفهوم انقسامي يعادي أو يخاصم كل من هو خارج الـ «نحن»- كانت معركة خاسرة جلبت الويلات، إضافة إلى عدم توفر الأجواء التمكينية المناسبة، ومن ضمنها استراتيجية واشنطن تجاه العراق.
غياب الجيل الأول عن المشهد بعد أحداث داعش الإرهابي، وصعود الحلبوسي آنذاك، قدّم نموذجًا سياسيًا بدت تزول معه مظاهر الارتباك، وتتلاشى «المظالم السنية» وسردية التهميش بعد 2003. إذ تمت قراءة هذا الحال بوصفه تطورًا نحو شراكة منشودة منذ تأسيس النظام الحالي على يد الحاكم المدني الأمريكي في أثناء الاحتلال.
هذه القراءة استثمرت «السكون السني»، وتجربته الاحتجاجية التي تطورت إلى مسلحة، ثم إرهاب، لتبرير التحاصص وتقاسم الغنائم، فضلًا عن ترسيخ النهج «المكوناتي» في النظام. حيث كان النموذج الشيعي الحاكم بحاجة إلى تطمينات تؤكد ذاته، و «أحقيته التاريخية» في حكم العراق، وهو ما وجده بالفعل عند القيادات السنية بعد 2018.
صعودًا، أصبحت «اللعبة المكوناتية» والمناورة من خلالها، وسيلة لإضفاء الشرعية على إغلاق المجال السياسي أمام أي مشروع وطني، بذريعة «تمثيل المكونات»، فأصبحت الأخيرة هي المشروع الوطني، بمعنى منظومة سياسية تعترف بشكل سيادي بالجماعات الهوياتية، وعرقنتها (من عراق)، بالتالي، جعلها بديلًا عن التمثيل المواطني. فأصبحت الوطنية هي اجتماع «المكونات» على طاولة المحاصصة.
نجحت «الساحة السنية» من خلال هذه المناورة في تسويق «نجاحها»، بوصفه إعادة ثقة «المكون السني» في النظام السياسي بعد سنوات من الإبعاد الطائفي، غير أن هذه النتيجة بذاتها، كما هي، تؤكد إحكام القبضة على المجتمع، وخندقته في إطار، بديله يعني التهميش والإقصاء. الأمر الذي أدى إلى تحويل المواطنين إلى جماهير حزبية، متماسكة بأدوات الربط العشائري، والمذهبي. ما أنتج واقعًا يحاول الحفاظ على «المكتسبات»، وهو بالضرورة سيبقى مدافعًا عن «حقوق المكون» المتخيلّة حقوقًا جماعية. إذ أصبحت المحافظات الغربية، جماهير سياسية مُستقطبة، ومتدافعة للظفر بـ «بقيادة المكون».
يتجلى من ذلك، أن أزمة النظام المتفاقمة تستند على نهج قادة «المكون السني» بوصفه الذراع الأيمن، لما يسمى بـ «الحاكمية الشيعية». مع الاستراتيجية الكردية الدافعة باتجاه تعزيز اللا مركزية. فهم لن يتخلوا عن «النظام المكوناتي»، و «الشراكة» مع السياسيين الشيعة، حتى وإن بدا العداء ظاهرًا. ما لم يحصلوا على ضمانات تشدد على «فيدرالية الدولة» بالنسبة للسياسيين الأكراد. وتحاصص -قدر الإمكان- بالنسبة للسياسيين السنة. إلا أنهما يستغلان الوضع الحرج الذي يمر به الإطار التنسيقي بعد أحداث المنطقة، لفرض الشروط، والاتجاه في بعض الأحيان إلى سياسة الضغط بالملفات، لاسيما ملف الفصائل المسلحة وجدلية الحشد الشعبي.
هذا الوضع الحرج الذي يمر به «البيت الشيعي»، بدا وكأنه فرصة لتعزيز التماسك الداخلي عند «الساحة السنية»، على غرار الجبهة الكردية تجاه بغداد، وهو لا يلغي بالضرورة التنافس ضمن إطار «المكون»، واتضح في العلاقة بين الخنجر والحلبوسي التي بدأت تتسم بالودية. مع محاولات جادة لتعزيز هذا التماسك مع أطراف أخرى، وقد يخبرنا المستقبل بشيء حول ذلك.
عمومًا، هذه الحلقات المتشابكة، أسهمت في صنع حالة انقسامية فعلية بين العراقيين، وتجزئة القضايا، بلا إجماع حول القضية الوطنية، ذلك أنها -الوطنية- في هذا السياق، ليست أكثر من توافقات حول المناصب. وتؤكد ذلك الدورة التشريعية الخامسة (الحالية) لمجلس النواب.
بالتالي، هذا التشابك غير قابل للإصلاح، ما لم يفكر العراقيون، بوصفهم عراقيين، لا أفراد هذا «المكون» أو ذاك، للضغط باتجاه إعادة تعريف النظام السياسي، بالوسائل المدنية. لأن هذه اللعبة، ستستمر، ما زال المتنفذون يضعون قواعد خاصة بهم، ويخسر حتمًا كل من يحاول الدخول بمهمة «إصلاح النظام»، أو «التغيير من داخل العملية السياسية».
* أعني بـ «من داخل اللعبة» استخدام طريقة التفكير السياسي والمصطلحات الرائجة ونقدها ومسائلتها، من غير تبنّي

إبراهيم فاضل
مؤسس منصة تغيير وباحث مهتم في قضايا الدولة والمواطنة
