
على أمل التغيير.. جردة ملفات في:
عراق 2025.. هل ينقذ المستقبل ما أفسده الحاضر؟
سنة أخرى من عمر العراق، تولد معها أحلام وطموحات أبناءه، ويرافقها وعود و «شعارات» من قوى متنفذة تجعل من الآمال محطّ سخرية، وينتهي المطاف بالعراقي: «ماكو فايدة». سنة أخرى، تبدو بحسب الخبراء والمهتمين بالشأن العام حين مناقشة محاور هذا التقرير، أنها لا تحمل على أقل تقدير مؤشرات إيجابية.. ليس «تشاؤمًا» بقدر ماهو تشخيص للحالة، والوقوف على أهم الملفات الحرجة في سنة سبقتها، إليكم ما يتوجب أن نتدبّره كثيرًا:
حقوق الإنسان
جدل عميق حول قانون الأحوال الشخصية، أثار من جهة التداعيات المحتملة على الأجيال القادمة وتحديدًا من الفتيات، واعتباره «يتعارض مع المعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق»، ومن جهة أخرى بين مؤيد ومحايد. يضاف إلى ذلك، إعلان المفوضية العليا لحقوق الانسان أن الكثير من الجرائم تسجّل على أنها حالات انتحار، بينما هي بعد التحقيق تظهر بأنها جريمة قتل وقضايا شرف.
انسانيًا.. بيّن الباحث والمراقب السياسي، أنس السالم لـ «منصة تغيير»: أن هناك ملاحظات وتحفظات على الحكومة الحالية فيما يتعلق بملف إنهاء النزوح في البلاد خصوصًا في جرف الصخر وسنجار، وأضاف «السالم» أن منظمات حقوقية أعربت عن مخاوفها إزاء حرية التعبير عن الرأي وسياسة تكميم الأفواه.
الصحافة
كشفت «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة»، في تقرير لسنة 2024، عن انتهاكات وصفتها بـ «غير المسبوقة» بحق الصحفيين العراقيين، وبحسب التقرير وقوع 457 انتهاكا، توزعت بين القتل، الاعتقال، الاحتجاز، التهديد، الاعتداء، إقصاء من العمل، الدعاوى القضائية، ومنع التغطيات. وبحسب التقرير، لم تخلُّ محافظة عراقية من شهر دون وجود مضايقات ودعاوى قضائية، وأشار التقرير إلى أن للهيئات المستقلة والنقابات المهنية «دورًا ضليعًا» في هذا النوع من الانتقام وإرهاب الصحفيين داخل البلاد. إضافة إلى وجود «محاولات فرض الوصاية على وسائل الإعلام بالإنذار، وحجب ظهور الأشخاص بحسب أهواء وأمزجة المتنفذين».
وأوضحت الحقوقية، د.ليلى الدليمي لـ «منصة تغيير»: أن تحويل الأخطاء إلى فرص تعلّم يتطلب وجود مؤسسات قوية قادرة على تقييم الأخطاء، ووضع خطط واضحة لتجنب تكرارها. وأشارت «الدليمي» إلى أن ضعف المؤسسات التشريعية والتنفيذية في العراق خلال 2024 ساهم في غياب الدور الرقابي والإصلاحي الفعّال.
الممارسات الطائفية
أدى مقترح عطلة «عيد الغدير» إلى تأجيج الانقسامات الطائفية، واعتبرت تقارير دولية أن دوافع الممارسات الطائفية تشير إلى تمكين سلطة الطائفة على حساب الدولة الجامعة. كما أثارت بعض الكتل السياسية، تمرير القوانين الطائفية وفي نهج «السلة الواحدة» انتقادات واسعة، لتضمن تشريعها.
في السياق، قال مدير قسم الابحاث والدراسات في مركز البيان، مصطفى السراي لـ «منصة تغيير»: إن هذا النظام يعيش على أساس الأزمات، ووجود الأزمة هو يعني ديمومة وجود الإدارة لطبيعة القوى التي تقود، مؤكدًا أن الازمات ترتفع وتنخفض شدتها بطبيعة الأحداث الحاصلة داخليًا وخارجيًا.
مسألة الدولة
كانت 2024 بمثابة تحدي الدولة واللا دولة، وبحسب تقارير فإن الفصائل المسلحة في العراق تنمو بشكل متسارع وتقوّض سلطة الدولة. مع تقاسم الأحزاب السياسية المناصب بشكل «سافر» والتي كانت أبرزها تقاسم مناصب سفراء العراق في العالم بناء على «معايير طائفية وحزبية». وجرى الاتفاق على أن يتم ترشيح 50% من موظفي وزارة الخارجية والـ50% آخرين من من قبل الأحزاب ليصبحوا سفراء للعراق في الدول الأجنبية، على أن يتم تحديد الـ50% من داخل السفارات على أساس الكفاءة، وترقيتهم من مناصب مستشار أو وزير مفوّض إلى سفير، وبحسب الاتفاق أيضًا، فإن نسبة الـ 50% المتبقية ستوزع بين الأحزاب السياسية على أساس عدد مقاعدها داخل البرلمان، على أن يكون لكل 10 مقاعد سفير. فيما أثارت حرب التسريبات جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والمجتمعية، الأمر الذي يضع مسألة الدولة على المحك، في ظل الاختراق الذي أطاح بكثير من الشخصيات السياسية.
وقالت رئيسة منتدى الإعلاميات العراقيات، د.نبراس المعموري لـ «منصة تغيير»: إن الحكومة الحالية رغم التحديات التي تواجهها سياسيًا واقتصاديًا إلا أنها استطاعت أن تستثمر جزء من أخطاء وتجارب الماضي بدايةً لإصلاحات أعمق، فيما تأمل «المعموري» أن تستمر الجهود، وألّا تكون بعض الأحزاب السياسية المتنفذة عائقًا أمام هذه البداية.
الشباب والتعليم
أشارت لجنة التعليم النيابية إلى أنه «لا توجد علاقة بين الفقر، البطالة في العراق، وبين التعليم» في محاولة لـ «تبرئة» المؤسسات التعليمية من أزمة البطالة. لكن بحسب اليونسيف، فإن 60% من شباب العراق يفتقرون لمهارات التوظيف، بالإضافة إلى ارتفاع نسب الشباب خارج التعليم، مما يجعلهم غير مؤهلين للمشاركة في القوة العاملة حاليًا. من زاوية أخرى.. جاء العراق في المرتبة 33 عالميًا ضمن قائمة الدول الأكثر «بؤسًا» بحسب «مؤشر هانكي للبؤس العالمي» لسنة 2023، محددًا معدلات «البطالة» عاملًا أساسيًا لهذه النسبة. مما يجعل الأزمة تتعدى إلى جوانب نفسية ومجتمعية. وبسبب البطالة، تحوّلت مهنة سائق التاكسي إلى ملاذ آمن لخريجي الجامعات، ويؤكد العديد من السائقين أنهم لا يكتفون بكسب رزقهم فحسب، بل يساهمون أيضًا في تبادل الهموم اليومية مع الركاب، من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية.
بدورها أضافت الإعلامية زينة راغب لـ «منصة تغيير»: أن أزمة البطالة تتعلق أيضًا بإرادة الشباب، فهم مسؤولون عن بناء خطط واضحة لتحقيق طموحاتهم، وصناعة تجارب عملية تطوّر من مهاراتهم أثناء وبعد فترة الدراسة، ولا يتحقق ذلك إلا باكتشاف المجالات المناسبة لهم. لذا، أؤكد أن النشاط والروح الشبابية الطموحة هي التي تنتج فرصًا وفيرة في مختلف القطاعات.
انتاج الأزمات
ليس كما في تطمينات السوداني.. حاولت أطراف في «الإطار التنسيقي» بحلول نهاية السنة التحذير من «مؤامرات داخلية» مدعومة من الخارج، وغالبًا ما كانت تشير هذه التحذيرات، ضمنيًا أو علنًا، إلى فاعلين من المحافظات أو ناشطين في الحراك الشعبي، مع تلميحات بعودة «البعث».
في حين أكدت مستشارة مركز المورد والباحثة بالشأن السياسي، نوال الموسوي لـ «منصة تغيير»: أنه لا وجود لمؤامرات ولا مبرر للتفكير ضمن هذه المفاهيم، ويجب أن نقلق إذا لم يستطع العراق الالتزام بمنهجية الدولة وتعزيز المركزية وينهي تعددية القرارات. وأضافت «الموسوي» أن ما يتعلق بالداخل فهي محاذير في حال واجه العراق عقوبات اقتصادية، ولا تأثير لحركة تظاهرات ولا عودة لتشرين 2019، أما التخوف من السلاح المستمر بالنفوذ هو الأكثر واقعية.
ورأى محللون أن القوى السياسية، وخاصة «الإطار التنسيقي» لا تصارح جمهورها بالأخطاء التي ترتكبها، مما يدفع الوطن نحو منحدرات غير معروفة، بالإضافة إلى أن التحذير من مؤامرات داخلية «تشبه استراتيجية الأسد بتخويف المواطنين لإبقائهم مدافعين عن السلطة».
التعداد والميزانية التاريخية
بلغت موازنة 2024 نحو 211 تريليون دينار، ما يعادل أكثر من 155 مليار دولار، لتكون أكبر موازنة في تاريخ البلاد، مع توقع وكالة «فيتش» الدولية بأن يرتفع عجز موازنة العراق إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى التعداد السكاني الذي ترتكز عليه الخطط الاستراتيجية -كما في التصريحات الحكومية – والذي جرى بعد غياب 3 عقود. ومع ذلك، يقلق الكثير بشأن التداعيات السياسية حيث سيزداد عدد النواب إلى 450 نائبًا، وبحسب الدستور فإن مقاعد المجلس تكون بنسبة مقعد واحد لكل 100 ألف نسمة، وحتى الخطر المحتمل مثل «مفاهيم الأغلبية والأقلية» الذي قد يجلبه التعداد إذا لم يكن وسيلة فعّالة تؤدي الغرض المنشود منه.
خدميًا.. حذّر السالم عبر «منصة تغيير»: من تردي الخدمات الأساسية للمواطنين وفي مقدمتها ملف الكهرباء الذي يعيش أسوأ أحواله، مشيرًا إلى أن احتجاجات واسعة في البلاد إذا لم تتمكن الحكومة من معالجة التحديات التي تواجه المواطن.
بيئة خصبة للسرطان
صُنّف العراق كأكثر دول العالم تلوثًا خلال محطات زمنية من 2024، الأمر الذي جعل من الأمراض السرطانية تتسلل بصمت إلى العراقيين، حيث سجّل العراق نحو 40 ألف مصاب خلال سنتين. مع بقاء ملف التلوث في الوطن مفتوحًا دون معالجات حقيقية، فيما أشار مراقبون أن وزارة البيئة تتحمل مسؤولية بقاء الكثير من المصانع غير المرخصة، وتوهم المواطنين بإيجاد الحلول.
وأكدت المعموري عبر «منصة تغيير»: أن تحويل الأخطاء إلى فرص تعلم حقيقية يعتمد على وجود مؤسسات قوية وآليات لمراجعة السياسات واتخاذ قرارات مستندة إلى المصلحة العامة يعزز من فرصة تحويل الأخطاء إلى دروس مستقبلية، مشيرةً إلى أهمية ايجاد سياسات اقتصادية تضع المتغيرات الحالية ضمن أولوياتها.
ويبقى الرهان على أن تكون المصلحة العامة، في صدارة الأولويات، بعيدًا عن الاقصاء، ومظاهر التعصب، بعيدًا عن افتعال الأزمات، والطائفية لتحقيق الأغراض السياسية، الرهان هو وعي المواطن، وحكمة الفاعلين في العمل على نهضة الوطن. فـ «الحق فوق كل أحد، والوطن قبل كل شيء».
لبناء وطن ومواطن
تسعى منصة تغيير الى تعزيز دور المواطن العراقي في المشاركة البناءة في رفع المبادئ الوطنية والمصالح العليا والقيم والإرث والهوية الوطنية الجامعة بالوسائل المدنية.