18 – 16 سنة من الدراسة تعد مهدورة في دولة لا تستقر سياسيًا، ووضع اقتصادي متعب، وتخبط اجتماعي يقف التعليم فيها على مفترق طرق بين الازدهار وعدمه ويذهب سنة بعد سنة الى العدم مما يخرج جيلًا هشًا يعرف الكثير من المعلومات المتناثرة لكنه لا يعرف ما يريد، ويتعلم الكثير من الحياة لكنه لا يخرج بفائدة من مدرسته او جامعته سوى الرغبة باللا عودة والحصول على وظيفة، لا يهم إن احبها ام لا ولا يهم إذا كان قادرًا على العطاء فيها بشكل جيد، لكن المهم أن تعطيه مصروفًا شهريًا موثوقًا، كل ما سبق سببه ضعف النظام التعليمي وثقل الوسائل المتبعة في التعليم حيث أن الطالب منذ البداية يتعلم التلقين لا الفهم، والأستاذ يبقى طيلة سنوات الدراسة (الشخص المتعب من الشرح المستهين بقدرات الطالب) هكذا يقضي التعليم العراقي على العقول جيلا بعد جيل.
ما يوقفنا عن الازدهار في التعليم، الفساد الاداري إذ أن أي طالب منذ الصغر ومنذ دخوله المرحلة التمهيدية يلاحظ تفرقة بعض الأساتذة بينه وبين طالب يعرفونه او يهتمون لاهله وفي المدرسة أو الجامعة يفرق بين الطلاب العامة وابناء الكادر التدريسي، بالإضافة الى عدم أهلية بعض المعلمين لأنهم يعينون طبقًا للمعارف ونسبة وصولهم للمتنفذين في السلطة.
يوقفنا أيضًا ضعف المناهج التدريسية وقدمها وطرق التدريس فمنذ زمن طويل تتبع طرق بآلية في التعليم، وتعطى مناهج مكررة بمعلومات قديمة على الرغم من وجود كفاءات لها القدرة على مواكبة الواقع المتطور في كتابة المحتوى المنهجي بالإضافة الى الاهتمام بالتعليم النظري بمعزل عن العملي مما يؤدي الى معرفة سطحية دون هدف حيث بدأنا نلاحظ أن الجميع يدرس لعبور المراحل دون غاية يهتم لتحقيقها، وهنالك من يدرس لتحصيل جامعة توفر عملًا حكوميًا دون اهتمام للعمل الذي يحلم به، وهكذا لا يتوفر في البلد كفاءات تعمل بمهارة لكن يتوفر مستوى عال من العاطلين عن العمل والكثير من الاضطرابات الثقافية.
هنالك مشكلة أخرى أيضًا وهي ارتفاع نسبة غير المتعلمين حيث “تبلغ نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية في العراق 91٪ وتنخفض هذه النسبة بشكل ملحوظ لتصل إلى 36٪ في المدارس المتوسطة وتنخفض أكثر إلى 18٪ في المدارس الثانوية. نسبة الطلاب الملتحقين بالجامعات 14٪ فقط. وهكذا، فإن نسبة 73٪ من نسبة الملتحقين بالمدارس الابتدائية تسربوا من الدراسة.”
وفقًا لليونسكو واليونيسيف والبنك الدولي، فإن أعلى معدلات التسرب هي بين الإناث 11.4٪ من الإناث يتسربن مقابل 5.4٪ فقط من الذكور، وبذلك تغيرت نسبة الذكور إلى الإناث في المرحلة المتوسطة إلى 142: 100.
وفي هذه الحالة نحن بالتأكيد نقف أمام كارثة ثقافية ومعرفية واقتصادية بحتة.
المشكلة الأكبر نظام الامتحانات المفروض في وسط ونهاية كل سنة تعليمية حيث يجد الطالب نفسه أمام منهج واسع وهو مضطر على قراءته وتخزين أكبر قدر من معلوماته خلال يوم او يومين ليؤدي الإمتحان به وينساه في ذات الوقت، ومنطقيًا من المستحيل أن نحفظ كتابًا او اجزاء من كتاب خلال ايام قليلة ونشعر بأن هذه المعرفة مفروضة علينا ونبقيها في ذاكرتنا بينما يستطيع التعليم أن يقدم طريقة نجاح ابسط وتوفر معرفة أكبر من خلال البحث والمناقشة دون الحاجة لحفظ منهج مفروض بمعارف متطايرة.
في النهاية لايمكننا الحصول على جيل عارف ومتعلم إذا لم نحصل على مناهج واساليب تساعد على زيادة شغف المعرفة و ترسيخها.