يعد الخوف مسألة فطرية وبديهية عند الجميع ورد فعل أساسي للحفاظ على النفس إذ يسمى الجزء من المخ الذي ينظم مشاعر الخوف باللوزة الدماغية (الأميجدالا– والتي تعني في اللاتينية حبة اللوز، وسميت بذلك لأنها تشبه حبة اللوز).
إن المخاوف والشعور بحجمها ومواجهتها تختلف من شخص لآخر ويميل الإنسان عادة للخوف أكثر من الأشياء غير الملموسة والتي لا تمثل حقيقة بحتة، لكنها تشكل صورة متجذرة في الخيال، بالتأكيد هذا الأمر لا يلغي الخوف من الماديات ولا يلغي أيضا حقيقة أن الخوف بكل أشكاله وأحجامه بالمحصلة شيئًا فتاكًا إذا لم نستطع مواجهته كما تقول إيزابيل الليندي:ليس هنالك ما هو أسوأ من خوفنا من الخوف.
ليس هنالك أسوأ من أن تتمحور حياتنا حول الخوف وأسبابه وكيف يؤثر علينا إلى أن يتحول إفراطنا في التفكير فيه إلى رهاب تغذيه مخزونات طاقتنا على التحمل وكل المسألة حقيقةً تكمن في مواجهتنا لهذا الهاجس والتفريق بين ما يمثل تهديدًا حقيقيًا او تخيلًا عابرًا.
تربية الخوف
منذ الطفولة تربينا العائلة على مبدأ الخوف (نام/ي لا يجيك بعبع)(لتطلع/ين للسطح اكو جني)(لتحچي/ن لا تنضرب/ين)… الخ من مصطلحات الترهيب، نكبر ويبقى التراجع هاجسًا يلاحقنا كلما أردنا فعل شيء نسبق خطتنا بالقلق وأول جملة نقولها (أخاف لا…..) يتبع هذه الـ أخاف كثير من التوقعات التي ربما لن يحدث شيء منها لكنها تعشعش في خيالنا وتكسر أفق أهدافنا قبل أن تبدأ من الأساس.
في العادة نعي أن مخاوف الطفولة غير حقيقية ونتخطى جزءًا منها وربما كلها؛ لكننا لا نعي في وقت مناسب أن مخاوف الكِبر التي نخلقها نحن هي التي يجب أن نتخطاها ولا نجعلها تقف حاجزًا بيننا وبين ما نريد الوصول إليه.
تجاوز الخوف
يتجاوز الخوف وجوده داخلنا ويبدأ بالتسلط على الخارج بحكم سياسات المكان والرقابات وأحكام المحيط فنبدأ بتوقيف التفكير لأننا نخشى من قول الفكرة ونبتعد عن الحركة لأن هنالك من سيعتبرها خدشًا له ونترك مفهومنا عن الحياة لأن أحدهم سيمتعض من طريقتنا في إدارتها وهكذا نتقولب حتى نصبح لونًا واحدًا لا نختلف في الفكر ولا في الحركة ولا في طريقة العيش، بل نصبح نسخًا مبرمجة على أن تتوقف عند حد لم تضعه انسانيتنا او مبادئنا بل وضعه تسلط الآخر في رأسنا شعوريًا او لا شعوري دون أن يكون لنا خيار الخروج عن المألوف لأننا لانعرف من العواقب سوى الاسوء ويخرج الخوف عن كونه هاجسًا خياليًا او مؤقتًا إلى شيء له مرجعياته وأشكاله الثابتة.
علاقة الكبت بالخوف
تعيدنا فكرة الكبت إلى الطفولة حيث يكون البكاء مزعجًا والتعبير عن الحب ليس في وقته دومًا وفضول المعرفة مؤجلًا إلى أعمار غير مسماة واللعب المختلط ملغى من القاموس والعيب له حيزه في إخراس الشعور وكل ذلك يتم عن طريق الترهيب.
كل هذه المحاور تخلق هالة من ردود الفعل وتجعل الشخص إما منقادًا ومتزمتًا فيما تعلم ويريد أن يورثه لأولاده خوفا من الاختلاف، أو شخصًا متعطشًا للتجربة ويريد فعل أي شيء ليرضي فضوله حول معرفة الحياة أو نمطا متخبطًا ليس له رأي واضح ولا يعرف إن كان يريد الانقياد او التجربة.
ويختلف التخويف مع الكبت عند الغالبية بناء على الجنس إذ تتغير آلية التضييق من (شخصٍ) إلى (شخصة) بمثال بسيط يمنع الطفل من البكاء كونه رجلًا وتمنع الطفلة من الكلام كونها امرأة، ويمنعان كلاهما من الاختلاط مع بعضهما لأنهما يعدان شيئًا خطرًا بوجودهما معا إلى أن يصبح بينهما شرخ كبير يجعل كلا منهما يخاف من التقدم خطوة واحدة لمعرفة الآخر.
الجرأة المستعارة
هنالك من يوصلهم الخوف الى ابتداع طرق ملتوية للوصول الى غاية او لطرح فكرة معينة دون ان يُعرف بأنهم وراء تلك الفكرة لأنهم يخافون الرأي الآخر او الوصم الاجتماعي او اللوم …و غير ذلك من الأسباب التي تجعلهم بخرجون بشخصيات ووجوه أخرى وتأخذ جرأتهم المستعارة أشكالًا كأن يدفعوا أشخاصًا آخرين للحديث فيما يريدون او يخرجوا بأسماء مستعارة الكترونيًا ليطرحوا ما يريدون بالخفاء وفي غالب الأحيان تكون الأفكار مطروحة بطريقة عشوائية وشرهة لا تفضي لشيء سوى أنها تنبئ عن الحاجة لاثبات الذات دون مواجهة.
أثر الحرب
من أبرز الآثار المتنافرة التي تخلقها الحرب بعيدًا عن الخسارات المادية تبلد الشعور والقلق الدائم لأنها تجعل فئة من الأشخاص تخاف من أي شيء يعد من مخلفات الحرب بدءًا من صوت القذيفة وصولًا الى الفقد، إذ يكون هنالك اشخاص لا يعرفون وسيلة لمفهوم الاهتمام سوى القلق الشديد على المقابل والخوف من فقده وربما يصل الأمر الى نفور الأشخاص منهم، وهنالك من يصبحون متبلدين عاطفيا لا يمكنهم التعبير عن شعورهم سوى باللامبالاة وعدم الاكتراث لحجم الخسارات من تراكم الأذى فيهم وتخلق الحرب من البعض أشخاصا هشين نفسيًا من الممكن إخضاعهم تحت أي تهديد يحفز الفزع.
في المحصلة لن يكون هنالك جيل ثابت عند الدول التي تتعرض للحرب إنما هنالك جيل ينقسم لجزء يخاف من فعل أي شيء وجزء اعتاد على الخوف ولا يهتم لعواقب ما يحصل او ما يفعله وفئة صغيرة تحاول تغيير ما يخلفه العنف.